أصبح فيروس كورونا بمثابة ذكرى سيئة لبعض الصينين، حيث بدأت الحياة تعود إلى طبيعتها في بكين ويحاول المستهلكون استعادة ثقتهم بالحياة والاقتصاد.
وقد أصبح الفارق واضح بين أوروبا والصين، ففي حين ما تزال القارة العجوز في حالة من عدم اليقين والتخبط بشأن قرارات الإغلاق والحظر، باتت الصين متقدمة وتحقق انتعاشاً اقتصادياً جيداُ بالنسبة إلى تبعات انتشار فايروس كورونا.
اقرأ أيضا:
- هل تفقد الولايات المتحدة دفّة القيادة بعد جائحة كورونا (1)
- حمى السيارات الكهربائية، شركة تيسلا والتنافس على القمة
أدّت المناهج المختلفة للتعامل مع الوباء إلى تباينات حادة في النتائج، فالصين وتايوان واقتصادات آسيا والمحيط الهادئ تسكتمل طريقها للنمو في عام 2020، في حين تعاني الدول التي انتشر فيها الوباء من تقلصات حادّة في مؤشرات النمو.
هذا يطرح سؤالاً مهماً حول مستقبل اقتصاديات هذه الدول في 2021، إذ هل يمكن لشرق آسيا ، التي تعتمد تقليديًا على العملاء في أوروبا وأمريكا الشمالية لتغذية نموها ، أن تتحوّل بدلاً من ذلك إلى مصدرٍ للطلب لبقية الاقتصاد العالمي؟
فبينما تمتّعت أوروبا بانتعاش ملحوظ في الربع الثالث من هذا العام، بدأ هذا التعافي يفقده زخمه بقوة بعد عودة الإصابات إلى الارتفاع في أنحاء القارة العجوز، ويحاول القادة الأوروبيون جاهدين عدم العودة إلى حالة الإغلاق.
لا تريد أيُّ حكومةٍ العودةَ إلى الوراء نحو “آذار/مارس الأسود”، لكنهم مضطرون إلى فرض بعض القيود على السفر والترفيه، وهذه الإجراءات ستستغرق وقتاً طويلاً لمنع عودة الفيروس، مما سيكون له تبعات اقتصادية كبيرة ومرهقة.
لكن في نصف الكرة الأرضية الآخر، قامت دولٌ في منطقة آسيا والمحيط الهادئ كالصين ونيوزيلندا وفيتنام وكذلك تايوان وكوريا الجنوبية، بمكافحة Covid-19 بقوةٍ، وحافظت على ضوابط أكثر صرامة ضد عودة الظهور، وحينما استمتعت أوروبا بعطلة الصيف ، أبقت آسيا الرحلات الجوية قيد الانتظار.
أغلقت تايوان حدودها في وقتٍ مبكرٍ، وحافظت على قواعد التباعد الاجتماعي والحجر الصحي للتخفيف من التجمعات. وبالرغم من تأخُّر كوريا الجنوبية في وقف إجراءات السفر ، إلّا أنّ الاختبارات الجماعية والتعقب الجيد، أبقى على معدل الحالات الجديدة أقل من 100 حالة في اليوم، وبالتالي لم يكن أي من البلدين بحاجة إلى الإغلاق.
في الصين، وبعد أن تسبب انتشار جائحة كورونا في عمليات إغلاق صارمة، وضوابط مشدّدة على مغادرة المناطق الموبوءة، وعمليات اختبار لأعداد هائلة من السكان، استطاعت أكبر دولة في العالم من حيث السكان، العودة إلى منطقة الصفر في عدد الحالات المسجلة الجديدة.
اليوم عادت الحياة إلى طبيعتها في ووهان تقريباُ، وبدأ الاقتصاد الصيني ينتعش من جديد، والفضل في ذلك يعود إلى البنية التحتية، التي أنفقت عليها الحكومة الصينية مئات المليارات من الدولارات، وكذلك أيضاً إلى السياسة التصديرية التي تتبعها البلد.
بدأ الطلب المحلي في بعض الدول الآسيوية يعود إلى طبيعته تدريجياً، وفي حين يعاني الطلب الاستهلاكي من انحدارٍ شديدٍ في اليابان وأوربا وأمريكا الشمالية، استفادت مراكز التصنيع في آسيا من التحول إلى السلع الاستهلاكية بدلاً من الخدمات.
انتشر الطلب العالمي بشدّة على السلع الطبية ، مثل الأقنعة والعباءات الواقية ، وضروريات العمل من المنزل ، مثل أجهزة الكمبيوتر الشخصية ومستلزماتها.
وحين قامت أوروبا وأمريكا الشمالية بخطط الانقاذ وتوفير المعونات للعمال المسجلين فيها، فإن الاقتصادات الآسيوية المفتوحة للأعمال التجارية هي التي يمكنها تلبية طلب هؤلاء العمال على السلع المصنعة، نظراً لتعطّل الحركة الإنتاجية في تلك الدول.
كل ذلك يطرح قضيّتين في غاية الأهمية:
أولاً، يعتمد نجاح آسيا على إيجاد لقاح فعال لـ Covid-19، وإذا لم يتحقق ذلك، فسيظل السكان الآسيويون عرضة للخطر، وقد يتحول النجاح الأولي في منع انتشار الفيروس إلى قيود دائمة لمنع الدخول والخروج إلى تلك البلدان في سبيل منع الفيروس من الوصول.
ثانيًا، من غير الواضح من أين سيأتي الطلب للحفاظ على الانتعاش العالمي في عام 2021 وما بعده، فبينما استمرت الاقتصادات الآسيوية في التقدم، فإنها لا تزال تعاني من توقّف السياحة، ومن اعتمادها على الطلب العالمي على السلع التي تنتجها.
التجاذبات بين الجمهوريين والديمقراطيين حول خطّة الإنقاذ، وحالة عدم اليقين التي تعيشها أوروبا بشأن الموجة الثانية من الوباء، وما يرافق ذلك من احتمالية العودة إلى الإغلاق، لا شك أنها ستؤثر على المصنعين الآسيويين، وقد تقود إلى حالة من الركود المقيت أحياناً.
ما تزال الصين والاقتصادات الآسيوية رهاناً أفضل من أوروبا وأمريكا، وفي حين فشلت الدول المتقدمة في التصدي حتى للموجة الثانية من انتشار الجائحة، نجحت الدول “النامية” من المرحلة الأولى في تجنيب مواطينها تبعات ذلك الفيروس اللعين، وهذا ما سيساعدها في إنعاش الطلب لدوران العجلة الاقتصادية، وربما تجاوز البلدان المتقدمة.